السلام عليكم
المرأة العربية : واقع وتطلعات
العنف ضد النساء
أيار 1995
مقدمة:
جرى التسليم على المستوى العالمي بأن أشكال العنف كافة التي تقع ضد المرأة والتي تأخذ أنماطا في الحياة العامة والخاصة تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان الأساسية ، وفي هذا السياق صادق حوالي ثلث دول العالم على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي صدرت في مايو / أيار 1984 عن الأمم المتحدة .
ومن المفترض أن تشكل نصوص الاتفاقية معيارا أخلاقيا واجتماعيا لشعوب العالم كافة في كيفية التعامل مع قضايا المرأة .
ويقصد بالتمييز بين الرجل والمرأة – لصالح الرجل – لأغراض هذه الدراسة ممارسة أشكال مختلفة من العنف قد تلحق الأذى النفسي أو الجسدي أو المادي بالمرأة لكونها امرأة
.
هذا هو المعني المباشر لمفهوم مصطلح العنف ، لكن عند الوقوف أمام الدراسات المقدمة لتحديد معنى للعنف أكثر شمولا ، أخذين بعين الاعتبار المعني التاريخي لمفهوم هذه الظاهرة في مجتمعنا ، نجد أن أشكال العنف الممارسة ضد المرأة والتي تنفذ ضدها على نحو مباشر كالضرب ، والاغتصاب ، وما إلى ذلك ، ليست هي الخطر الحقيقي الذي يهدد المرأة ، لأن هذه الأشكال من العنف يمكن وضع الضوابط لها من خلال المؤسسات الرسمية والأهلية والتشريعية . إنما الخطر الحقيقي ، هو ذاك الخطر الكامن داخل بنيان المجتمع من مفاهيم ثقافية واجتماعية وتشريعية معمول بها ، حيث تقدم الثقافة السائدة في المجتمع نوعا من الوعي الزائف للمرأة – بذاتها وبذات الأخر – وهو الرجل ، يجعلها تتقبل كثيرا من مظاهر العنف الممارس ضدها على اعتبار أنها تصرفات طبيعية ، فأشكال العنف ضد المرأة التي لا تدركها المرأة والتي تبقي على مكانتها الهامشية في المجتمع وتبقي على تبيعتها للرجل هي ما ينبغي معالجته ، والوقوف عنده طويلا ، ذلك أن ثقافة المرأة ووعيها بذاتها هي جزء من ثقافة المجتمع ووعيه بأفراده .
وقد عبرت الدراسات المقدمة عن أنواع الثقافة الزائفة التي تقدم للمرأة ، والتي تساهم في دونيتها بعبارة ( التفرقة في التنشئة بين الذكور والإناث ) التي تبدأ منذ لحظة الولادة . وقد أشارت الدراسات الى أن التفرقة في التنشئة تشمل – ضمن ما تشمله – العناية الصحية والغذائية بالطفل ، إذ أن عدد وفيات الإناث في السنة الأولى بعد الولادة أكشر من عدد وفيات الذكور ، وتشمل هذه التفرقة توزيع الأدوار داخل الأسرة ، والتفرقة في منح الحريات الشخصية ، ثم التفرقة في فرص التعليم ، وعدم إعطاء الفتاة فرصة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها ، فقد ترغم على الزواج في سن مبكر من رجل قد لا ترغب في الزواج منه ، وترغم على عدم متابعة دراستها .
ويندرج موضوع العنف ضد المرأة – حسب ما جاء في الدراسات – ضمن موضوع العنف الأسري ما يزال غير معترف به من المجتمع ، وبالتالي غير مدروس ، لذا فإن الإحصاءات الرسمية التي وردت في الدراسات لا تعبر إلا عن جزء يسير من هذه الظاهرة ، حتى أنها تكون مضللة في كثير من الأحيان ، لأنها تخدم رغبة المجتمع ككل في التستر على هذه الظاهرة ، وعدم الإقرار بوجودها .
وفي الوقت الذي تقوم فيه مؤسسات المجتمع – وبخاصة الرسمية منها – بالتصدي لظواهر العنف السياسية والدينية وغيرها لما قد يترتب عن هذه الظواهر من أثار مباشرة على أطراف الصراع ، فإن العنف الذي يمارس في إطار الأسرة لا يؤخذ بالجدية نفسها ، علما بأن ما يترتب عليه من أثار غير مباشرة قد يكون أعمق ضررا ، فعلاقات القوة غير المتكافئة داخل الأسرة ، غالبا ما تحدث خللا في البناء الاجتماعي ، واهتزازا في نمط الشخصية وبخاصة عند الأطفال ، مما يؤدي – على المدى البعيد – إلى خلق أنماط مشوهة من الشخصيات والعلاقات والسلوك ، وهذا قادر بدوره على إعادة إنتاج العنف ، سواء داخل الأسرة أو خارجها في المجتمع .